فرص الباحة الزراعية- تنمية مستدامة وأمان اقتصادي للقرى

المؤلف: منى العتيبي09.29.2025
فرص الباحة الزراعية- تنمية مستدامة وأمان اقتصادي للقرى

منذ بضعة أيام، أعلنت وزارة البيئة والمياه والزراعة عن طرحها لخمس باقات استثمارية واعدة، تهدف إلى إنشاء مدن زراعية متخصصة في زراعة البن والتين الشوكي في ربوع منطقة الباحة الخلابة، وذلك من خلال مشاريع زراعية طموحة. تتضمن هذه الفرص إنشاء مدينة زراعية مخصصة لإنتاج التين الشوكي، بالإضافة إلى أربع مدن زراعية أخرى تتخصص في زراعة أجود أنواع البن. وتأتي هذه المبادرات الاستثمارية في سياق جهود الوزارة الدؤوبة لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية المستدامة، وذلك عبر تعزيز مستويات الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية المحلية الطازجة، ودعم الإنتاج المحلي وتقوية الأمن الغذائي في المملكة، كل ذلك في إطار دعم ومشاركة القطاع الخاص، تماشيًا مع مستهدفات رؤية السعودية 2030 الطموحة.

في مقالات سابقة، أسهبتُ في الحديث عن أهمية الاستثمار الزراعي في المناطق الريفية والقرى السعودية ذات المؤهلات العالية، وشددت على ضرورة تأهيل هذه المناطق وتهيئتها لتكون حاضنة لهذا القطاع الحيوي. ولكن ما يشغلني في هذه اللحظة بالذات، هو التأكيد على أن هذه المشاريع الاستثمارية تمثل إحدى أنجع الوسائل لتحقيق الاستقرار لأهالي الأرياف والقرى في مناطقهم الأصلية، والحد من هجرتهم المتزايدة نحو العاصمة والمدن الكبرى؛ إذ إن إطلاق مثل هذه المشاريع التنموية سيترك بصمة إيجابية واضحة على تنمية القرى، حيث سيجد السكان فيها فرصًا واعدة تلبي طموحاتهم وتطلعاتهم. فالانخراط في الزراعة والعمل في الأراضي الزراعية سيوفر فرص عمل متنوعة، وسيشجع سكان الأرياف على العودة إلى جذورهم والانخراط في مزارعهم، مما سيساهم في نهاية المطاف في زيادة الإنتاج الزراعي المحلي وتحقيق الاكتفاء الذاتي المنشود.

ومن وجهة نظري، فإن هذه المشاريع الاستثمارية ستوفر مظلة من الأمان الاقتصادي لأهالي القرى والأرياف، وستخلق بيئة تنافسية صحية وإيجابية بين العاملين في القطاع الزراعي، مما سيحفزهم على تقديم أفضل ما لديهم من إنتاج، وسيسهم في الارتقاء بمستويات الجودة وزيادة الإنتاجية في القطاع الزراعي المحلي. علاوة على ذلك، سيساهم هذا النوع من المشاريع في تعزيز الوعي البيئي وغرس ثقافة المحافظة على الموارد الطبيعية الثمينة في المناطق الريفية. ومع التوسع المطرد في استخدام تقنيات الزراعة المستدامة التي أشرت إليها سابقًا، سيتمكن المزارعون من تقليل الأثر السلبي لأنشطتهم على البيئة، والمحافظة على خصوبة الأراضي الزراعية، مما يضمن استدامة الإنتاج الزراعي على المدى الطويل ويحقق التنمية المستدامة المنشودة.

والأمر لا يقتصر على ذلك فحسب؛ بل أرى أن الاستثمار في القطاع الزراعي يمثل خطوة حاسمة نحو تقليل الفجوة الاقتصادية المتنامية بين المناطق الريفية والمدن الكبرى، مما سينعكس إيجابًا على تحسين مستويات المعيشة في القرى، وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام على مستوى المملكة ككل، وتحقيق التنمية المتوازنة التي تطمح إليها رؤية 2030.

ومن زاوية أخرى، يمكن لهذه المشاريع أن تلعب دورًا محوريًا في دعم وتعزيز السياحة الزراعية، حيث يمكن للأراضي الزراعية الخصبة في منطقة الباحة أن تتحول إلى وجهة سياحية جاذبة للزوار والمهتمين بالزراعة المستدامة والمنتجات الطبيعية المحلية الأصيلة، مثل التين الشوكي والبن بأصنافه المتعددة. ومما لا شك فيه أن ذلك سيساهم في تعزيز ودعم الاقتصاد المحلي للمنطقة، واستقطاب السياح الباحثين عن تجارب فريدة من نوعها في أحضان الطبيعة الخلابة.

وفي الختام، أود التأكيد على أن هذه المشاريع ليست مجرد فرصة سانحة لتطوير وتنمية القطاع الزراعي فحسب، بل هي استثمار طويل الأجل يعزز التكامل والترابط بين جميع قطاعات الاقتصاد الوطني، وذلك من خلال توفير بيئة اقتصادية مستقرة وشاملة للجميع، وتعزيز التنمية المتوازنة في جميع أنحاء مملكتنا الغالية، وتحقيق الازدهار والرخاء لأجيال المستقبل.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة